من الصعب تقييم اقتصاد الرياضة في المغرب. فهناك نقص في البيانات والإحصائيات المتوفرة والموثوق بها وكذلك المؤسسات المكلفة بتتبع هذا القطاع. والمؤشرات النادرة التي يمكن الارتكاز عليها لتقدير وزن هذا الاقتصاد تتلخص في بعض الأرقام المتجمعة في دراستين الأولى أنجزها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عام 2019 أما الثانية، وهي أحدث من سابقتها، فهي من إنجاز مكتب الدراسات PWC (هي شبكة خدمات مهنية متعددة الجنسيات مقرها في لندن) بشراكة مع الوكالة الفرنسية للتنمية.
تقدم الدراستان أرقاما وتوجهات متشابهة تقريبا تمكن، رغم نقص المعطيات العامة، من قياس وزن اقتصاد الرياضة في البلد وتخلصان إلى نفس النتائج.
أول توجه هام هو النمو الكبير الذي شهده هذا الاقتصاد في العقد الأخير. ففي عام 2008 كانت الرياضة تساهم في المغرب بما يعادل 0.64% من الناتج الداخلي الخام (وهو مجموع الثروات التي أنتجت خلال السنة). وقد تضاعف بالفعل هذا الرقم منذ تلك السنة ليتجاوز في أواخر سنة 2019 نسبة 1% من الناتج الداخلي الخام.
وهو تقدم يفسره خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وخبراء PWC بالدفعة التي أعطتها للقطاع اجتماعات الصخيرات سنة 2008. اجتماعات انتهت بوضع خطة وطنية لتنمية الرياضة. غير أن هناك أيضا الترشحات المتتالية التي تقدم بها المغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم والتي خلقت دينامية في الاستثمار في القطاع وبصفة خاصة في البنى التحتية.
هاتان الديناميتان تفسران هذه القفزة النوعية التي شهدتها الرياضة في الناتج الداخلي الخام ولكن أيضا في مجال التشغيل. قطاع الرياضة يشغل حاليا ما لا يقل عن 240.000 شخص في المغرب وهو مجهود لا يستهان به كما يشير إلى ذلك خبراء PWC، إلا أنه يبقى غير كاف وبعيد عن المعدلات العالمية. فإذا كان المغرب متميزا في قارته إلى جانب جنوب أفريقيا فإنه بعيد عن المعدلات الأوروبية على سبيل المثال، حيث تساهم الرياضة على الأقل بـ 2% من الناتج الداخلي الخام.
النمو الذي شهده القطاع في العقد الأخير نمو مشرف. إنه يبين أن البلد يسير في الطريق الصحيح وأنه يجب الآن أن يمر إلى خطوة جديدة ألا وهي تسريع هذا القطاع للحاق بالاقتصادات المتقدمة وتحويل الرياضة إلى رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. والميادين التي يمكن للمغرب أن يتحسن فيها عديدة وعلى رأسها إدماج المرأة بطريقة أفضل.
يبلغ عدد سكان المغرب 34 مليون نسمة، بينهم 11,5 مليون تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة. ورغم ذلك فإن عدد الأشخاص المسجلين في نوادٍ رياضية لا يتعدى 337400 أي بالكاد 1% من مجموع عدد السكان. تصل هذه النسبة في فرنسا مثلا إلى 30%.
وفي هذه النسبة الهزيلة لا تمثل النساء إلا 19%. أي بالكاد 66300 ممارسة، لا أقل ولا أكثر. ويمكن أن نكتفي بهذه النسبة إذا قارنا المغرب ببلدان القارة الأفريقية حيث لا تتجاوز نسبة الممارسة الرياضية 5%. ولكننا بذلك نكذب على أنفسنا لأن المنطق يفرض أن يكون توزيع الممارسين على الأقل معادلا للتوزيع الديموغرافي في المغرب، حيث يمثل العنصر النسوي أكثر من نصف السكان.
ومع ذلك يحاول بعض المسؤولين عن القطاع الرياضي تعديل هذه الأرقام وذلك بالإشارة إلى أن الممارسة الرياضية لا يمكن اختزالها في عدد المسجلين في الأندية. حيث يجب أيضا أن تؤخذ الممارسة خارج الأندية بعين الاعتبار. وهذا يصعب تقييمه لعدم وجود أية مؤشرات عن الممارسة الرياضية في الفضاء الخاص.
ذلك ما تسجله دراسة PWC التي تلفت الانتباه إلى أن عدد قاعات الرياضة على سبيل المثال ارتفع بشكل واضح في المغرب في السنوات الأخيرة مع أغلبية نسائية في صفوف الزبائن. غير أنه من الصعب تحديد نطاق هذه الممارسة وكذلك الشأن بالنسبة إلى استهلاك المنتوجات والتجهيزات الرياضية، حيث يسجل بروز العديد من المحلات التجارية ومعها عدد كبير الزبونات.
وبهذا يبقى المؤشر المعترف به عالميا في المقاربة النوعية للرياضة هو عدد المسجلين في الفيدراليات الرياضية. وفي هذا الميدان يبقى العدد قليلا في المغرب رغم كونه في تطور مقارنة بالماضي.
بالنسبة لمستشاري PWC، تعود المشاركة الضعيفة للمرأة لعدة أسباب منها: عدم التزام الفيدراليات بمجهود لإدماج الفتيات وتسجيلهن وضعف الممارسة الرياضية في المدارس التي تعتبر البوابة الأولى لدخول عالم الأنشطة الرياضية. أضف إلى ذلك عدم تسليط الضوء على الرياضة النسوية في المحافل الوطنية.
وبالفعل، نادرة هي القنوات المغربية التي تبث أو تنقل مباريات كرة القدم النسوية أو المنافسات الرياضية النسوية. والسبب في ذلك، كما جاء على لسان مسؤول عن القطب العمومي السمعي البصري، هو عدم اهتمام الجمهور. الشيء الذي يعيدنا إلى مفارقة “الدجاجة والبيضة” المعروفة: “فهل يجب انتظار تطور الرياضة النسوية لكي نهتم بها إعلاميا؟ أم أن الاهتمام الإعلامي في حد ذاته وسيلة لتنمية الرياضة النسوية؟” وبالنسبة إلى قنوات عمومية تهتم بالمناصفة، وهو مبدأ منصوص عليه في دستور البلاد، الاختيار الثاني هو بالأحرى الذي يجب الأخذ به.
إشكالية أخرى يثيرها مستشارو PWC هي انعدام الأمن في الملاعب، وهو عامل يحول دون تعاطي المرأة للرياضة وكونها فاعلا ظاهرا ونشيطا في هذا الاقتصاد. وهذه مشكلة يمكن حلها بتحديث نظام التذاكر وتحسين تأمين الملاعب وكذلك بإشراك جمعيات المشجعين في الموضوع.
ولكن لتحفيز النساء وتشجيعهن على ممارسة الرياضية، ليس هناك من وصفة سحرية كما تقول “ماري سيسيل تارديو” المديرة العامة بالنيابة لـ “ببزنيس فرانس” والتي اشتغلت لمدة طويلة على هذه الإشكالية النوعية في الرياضة. ففي رأيها، يجب العمل على إيجاد بطلات رياضيات يمكنهن إثارة الرغبة لدى الشابات المغربيات في ممارسة الرياضة. أمثلة يحتذى بها.
ظاهرة عاشها المغرب في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات مع التتويج الذي حققته نوال المتوكل في أولمبياد لوس أنجلوس سنة 1984 أو إنجازات نزهة بدوان. رياضيتان بلغتا قمم ألعاب القوى العالمية ودفعتا العديد من الفتيات للاقتداء بهما.
“الموضوع ليس فقط موضوع مناصفة أو حركة نسائية بل موضوعا اقتصاديا. فالاقتصاد لا يمكن أن يتطور من دون مشاركة المرأة. وينطبق ذلك أيضا على اقتصاد الرياضة. وإذا نظرنا إلى الإشكالية من زاوية اقتصادية، يبدو جليا أنه من اللازم جلب النساء تدريجيا إلى الممارسة الرياضية: تضيف السيدة تارديو.
وينطبق ذلك على الرياضات الشعبية ككرة القدم وكرة السلة وكرة اليد وألعاب القوى ولكن أيضا على رياضات أخرى كالفروسية التي يمكن أن تكون أداة حقيقية لإدماج المرأة القروية على سبيل المثال.
“إن للرياضة قدرة كبيرة على الحد من أوجه التفاوت الإقليمي. فمن خلال سياسات إعداد التراب، يمكن مثلا أن نتصور تطور رياضة الفروسية في العالم القروي. والمغرب معروف بخيوله ويجب استثمار ذلك. ولكن يجب أن يرافق ذلك مجهود كبير في تكوين الرأسمال البشري بما في ذلك النساء لأجل تنمية الكفاءة البشرية”. فكرة جميلة يمكن أن تلهم بلدا مشهورا بفن “التبوريدة”.