أول لبنة لمشروع “بيت الرياضة” وضعت قبل حوالي أربع سنوات من الافتتاح الكبير. إحدى “صانعات” المشروع والمنسقة الحالية لقسم اللاعبات، وعد الشوامرة، تروي القصة، “فور علمي أن هناك تدريبات لكرة القدم سارعت في التسجيل. لطالما أحببت هذه الرياضة وهذه كانت فرصة لا تفوت”. واظبت وعد و26 سيدة أخرى، أعمارهن بين 18 و40 سنة، على حضور تدريبات يومية لمدة عام ونصف. “أهلتنا التدريبات فيما بعد لنصبح مدربات لفتيات ناشئات بين عمر 8 إلى 17 سنة وتكوين الفرق الرياضية وإعطاء ورشات تدريبية.” تواصل وعد.
لم تكن مهمة المدربة سهلة. حيث كان عليها إخراج تلك المواهب الرياضية من شبكة العادات والتقاليد المحافظة إلى رحاب المرمى. “كنت أذهب لزيارة عائلات اللاعبات لأقنعها بتسجيل بناتها. هناك سيدات لم يكن يعرفن أي شيء عن الرياضة. البعض كان يرفض الفكرة بحجة العادات والتقاليد. لكننا استطعنا التغلب على ذلك من خلال تغطية الملاعب بشوادر، الالتزام بلبس الحجاب للمحجبات، وعدم السماح بالتقاط الصور إلا بموافقة الأهل، وعدم إدخال أي ذكور في عملية التدريب. في البداية الإقبال كان ضعيفا جدا. الصيف والحر تحد كبير أيضا لأنه لا توجد في المخيم أبنية عالية ولا حتى أشجار.”
قبيل افتتاح أول ملعب نظامي بقياسات عالمية، توزعت الفرق على ملاعب سداسية غير عشبية. بعضها ما زال قائما لغاية الآن. الأمر الذي كان عائقا إضافيا بالنسبة إلى الأهالي. “وجود ملعب ومركز رياضي سهل علينا التواصل مع الأهل وجذب أكبر عدد من اللاعبات. كمنسقة اليوم يجب أن أبقى على تواصل مفتوح مع أهالي الفتيات، وتوعيتهم بأهمية الرياضة الجسدية والنفسية.” تقول وعد.
بعد سنوات من العمل مع المجتمع، يتجاوز اليوم عدد الإناث المنتسبات لمشروع “بيت الرياضة” 3000 فتاة. نتائج تفتخر بها وعد اليوم، “نستطيع الآن لمس التغير الذي حدث في طريقة تفكير أهالي المخيم وتقبلهم لفكرة الفتاة الرياضية. أصبحوا يأتون إلينا لتسجيل بناتهم من تلقاء أنفسهم من دون الحاجة لإقناعهم، وأصبحت الفتيات أكثر جدية فيما يخص احترام مواعيد التدريب والحضور. كل هذا يدل على الأثر المجتمعي الإيجابي للمشروع”.
بين أشواط التدريب تجد الفتيات أنفسهنّ منغمسات في حوارات وأحاديث مع مدرباتهن وزميلاتهن. “بيت الرياضة ليس فقط مكانا لتدريب كرة القدم. يوجد لدينا ما يشبه غرفة دعم نفسي نحاول فيها إيجاد حلول لمشاكل الفتيات. في تقدري الشخصي 70% من الفتيات لديهن مشاكل داخل الأسرة أو في المدرسة. العديد منهن متسربات من الدراسة أيضا. فدورنا هو إرشادهن للعودة للمدرسة، وإذا قررت فتاة الانسحاب نبقى على تواصل معها، وبالطبع باب العودة دائما مفتوح.” تقول منسقة مشروع الإناث.
في المحصلة وجود دعم كهذا قد يغير حياة الفتيات. أخبرتنا وعد بقصة فتاة أثرت فيها جدا، “كانت لاعبة بارعة، لكن زوجة أبيها لم تسمح لها بحضور التدريبات لذلك تدخلت، أردت لها أن تأخذ فرصتها. بطريقة غير مباشرة أقنعت زوجة الأب، وكرمناها في المركز على حسن تعاونها. بعد ذلك تغيرت الفتاة. أصبحت أراها تضحك وتتحدث مع زميلاتها. التغير لا يأتي فجأة وهذا ما نسعى إليه في المشروع.”
شهريا يوجد دوري تنافسي يستمر لمدة يوم إلى ثلاثة أيام لفئات عمرية مختلفة: الفئة الأولى أقل من 10 سنوات، الفئة الثانية بين 10 و13 سنة، والفئة الثالثة من 15 إلى 18 سنة. تشارك في الدوري فرق من منظمات أخرى غير الـ 20 فريقا التابعين لبيت الرياضية.
الكابتن إسلام الرفاعي، 14 سنة، تحلم أن تصبح لاعبة عالمية يوما ما. “الرياضة روحي، أحب الكرة جدا. بدأت اللعب قبل خمس سنوات وشاركت خلالها في مباريات عديدة وجمعت العديد من المداليات الفضية والذهبية وكأسين.”
من ضمن المباريات التي شاركت فيها إسلام كانت واحدة من تنظيم رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم “لاليغا”. برنامج مجتمعي تعليمي في المخيم، أسسه قسم المشاريع الرياضية ومؤسسة “لاليغا”، بالتعاون مع المشروع العالمي للتطوير الكروي عام 2018، سعيا إلى تعزيز جودة الحياة للاجئات الناشئات من خلال استخدام كرة القدم كأداة لغرس القيم الإيجابية وتنميتها.
لم يفز فريق إسلام في المباراة، “لا أحب أن أخسر، بكيت عندما خسرنا لكن صديقاتي والفريق دعموني. وحلمي لم يتغير، أريد أن أصبح لاعبة مشهورة وأسافر العالم.”
تشاطر إسلام العديد من اللاعبات طموحها هذا إلا أن المجتمع قد يعطيهن البطاقة الحمراء ويحول بينهن وبين الاحتراف. “هناك العديد من المواهب التي بالتأكيد مؤهلة لكي تصل إلى الاحتراف، لكن للأسف ظاهرة الزواج المبكر منتشرة بكثرة داخل المخيم. صادفت العديد من اللاعبات اللواتي اختفين عن الأنظار بعد سن الـ15.” تقول منسقة مشروع الإناث وعد الشوامرة.
يُذكر أن عدد سكان مخيم الزعتري، وهو أكبر تجمع للاجئين السوريين في العالم، يبلغ 80 ألف نسمة. 50% منهم دون 18 سنة، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويركز مدير المشروع عبد الله سليمان على الأثر النفسي والاجتماعي لبيت الرياضة على أطفال المخيم. “الرياضة مهمة لتنمية شخصية الأطفال بعيدا عما عاشوه في سوريا من ويلات الحرب والدمار.” بالإضافة إلى ذلك يهدف “بيت الرياضة” إلى إشراك اللاجئين السوريين في عملية إدارته. “لا يوجد في الحقيقة عاملون على المشروع إلا من داخل المخيم. جميع المدربات والمدربين والحكام هم من مخيم الزعتري. فقط في البداية تمت الاستعانة ببعض الخبرات الخارجية كلاعبة كرة القدم المعتزلة عبير الرنتيسي للقيام بالورشات.” يضيف عبد الله سليمان.
يوجد اليوم آلاف الناشئات والناشئين في مخيم الزعتري، ليس فقط للعب كرة القدم بل هناك رياضات أخرى كالزومبا والفنون القتالية والجودو والبينغ بونغ. ممارسة الرياضات هذه تساعد اللاجئين على بناء صداقات وعلاقات، وتنمية شخصياتهم وبث روح التسامح بينهم، كما تؤكد إسلام الرفاعي “بفضل الرياضة أصبحت أعرف ما أريد، وأعرف أنني أستطيع تحقيقه.”