إقرأ أيضا

الرياضة النسائية وذاكرتها المفقودة

بعد أكثر من سنة على ميلاد منصة تاجة، والتي نذرت جهودها لخدمة الرياضة النسائية في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، صادفنا عائقا من نوع آخر. خلال هذه المدة التي قضيناها في مقابلة المصادر البشرية من مختلف الفئات للنبش في الأرشيف الرياضي النسائي بمختلف تصنيفاته وتلويناته، ألفينا أن عددا من الاتحادات الرياضية لا توثق المسارات الرياضية للاعبات. بل إن اللاعبات بأنفسهن لا يعلمن عدد المقابلات التي لعبن أو عدد أهدافهن المسجلة…
الرياضة النسائية
إبتسام تريمش، مدربة ولاعبة تونسية سابقة في التجديف

“منذ أن شرعت في ممارسة الرجبي، لعبت حوالي سبع أو ثمان مقابلات. لا أوثق عدد أهدافي، وليست لدي إحصائيات رياضية. كل ما لدي، هو مقتطفات فيديوهات تظهرني ألعب”. تقول لاعبة فريق نهضة مراكش للرجبي، شيماء باخيي، صاحبة 18 عاما لمنصة تاجة سبورت.  لم تتخيل قط أن يأتي في يوم من الأيام صحفي أو مدير تقني ليسألها أسئلة متعلقة بأرشيف مسارها الرياضي. تضيف، ” لم التوثيق؟! لم أكن أدرك أهميته”. 

حفظ الذاكرة الرياضية النسائية يسهل نوعا ما  في الحاضر مقارنة مع الماضي، ولا سيما في ظل توفر العديد من الأدوات التقنية التي تسهل ذلك، مثل منصات رفع الفيديو كاليوتيوب. اللاعبة والمدربة التونسية في التجديف، إبتسام تريمش، والتي مارست التجذيف بين عام 1999 و2009، لا تملك أرشيفا ثريا. تقول لمنصة تاجة سبورت: نتائجي معروضة على الموقع الرسمي للاتحاد الدولي للتجديف. في المقابل، الاتحاد التونسي نادرا ما كان يذكر اسمي، رغم أن ما حققته لم يسبق لأي لاعبة تونسية وأن حققت مثله. ومنه المرتبة الرابعة في بطولة العالم عام 2004، والمركز الثاني في كأس العالم 2003″. 

 

الرياضة النسائية وذاكرتها المفقودة
إبتسام تريمش، مدربة ولاعبة تونسية سابقة في التجديف

ببحث بسيط على الإنترنت، نستطيع أن نجد هدافي دوريات كرة القدم الرجالية، وسن لاعبي رياضات الفنون القتالية. بينما من النادر إيجاد مثل هذه المعلومات التي تخص الرياضة النسائية. في نفس الصدد، يخشى، منصف اليازغي الباحث المغربي المتخصص في السياسة الرياضية، من ضياع ذاكرة الرياضة النسائية في المنطقة. وصرح لمنصة تاجة سبورت قائلا: “إننا نستقرئ مدى تطور الرياضات بالإحصائيات، وعدد المباريات التي أجريت، وبعدد الأهداف، وعدد اللاعبات المشاركات في الدوري  “. 

في نظر اليازغي، صاحب كتاب “الرياضة والمجتمع”، فإن غياب أرشيف غني سيجعل من الرياضة النسائية ممارسة ناقصة. مردفا، “كي يتابع الجمهور الرياضة النسائية، على الاتحادات توفير المعطيات الدقيقة الخاصة بالفرق النسائية، ونشر جدول ترتيب الهدافات وصاحبات التمريرات الحاسمة في الرياضات الجماعية. والأمر نفسه بالنسبة للرياضات الفردية، من اللازم نشر المعلومات الرياضية والبطاقات التقنية الخاصة بكل لاعبة”. 

بطلة العالم في الفنون الدفاعية عام 2019، المغربية أميمة بلورات، لعبت 559 لقاءا في مسيرتها، و فازت ب 50 منها بالضربة القاضية، وفق ما صرحت به لتاجة سبورت. بالنسبة لصاحبة 22 عاما، عملية أرشفة المسيرة الرياضية مهمة جدا، وكل ما جنته من ألقاب وبطولات موثق منذ أن بدأت هذه الرياضة وهي في عمر الأربع سنوات. من الناحية الإعلامية ” أحتفظ بالتقارير المصورة والمكتوبة التي يرد فيها اسمي، ولدي لقطات من البرامج التي عبرت فيها”، تنهي نفس المتحدثة. 

الرياضة النسائية وذاكرتها المفقودة
أميمة بلورات، بطلة العالم في الفنون الدفاعية عام 2019

ولا تخفي بلورات التي تأهلت لدورة الألعاب العالمية لرياضة المواي طاي التي ستلعب صيف هذه السنة بالولايات المتحدة الأمريكية، الدور الذي يلعبه الاتحاد المحلي لرياضة الكيك بوكسينغ والرياضات المماثلة. وتشدد على أن “الجواز الرياضي للاعبات، والذي يمنحه لهم الاتحاد المحلي، يضم كل التفاصيل الرياضية للاعبات والتي تهم مسارهن الرياضي”. 

في مصر، لم تكن لاعبة فريق سموحة لكرة السلة للناشئات، شهد وليد صبري، تدرك أهمية التوثيق إلا مؤخرا. اللاعبة التي تلعب سنويا أكثر من 40 مباراة في المتوسط، تقول بحسرة، “الاتحاد المحلي للعبة لا يوثق مباريات الناشئات. في المقابل أخذت على عاتقي مهمة توثيق مسيرتي الرياضية بطريقتي الخاصة. عملية التوثيق ساعدتني في تقييم نفسي”. 

الرياضة النسائية وذاكرتها المفقودة
شيماء باخيي، لاعبة فريق نهضة مراكش للركبي النسائي
الرياضة النسائية وذاكرتها المفقودة
شهد وليد صبري، لاعبة فريق سموحة لكرة السلة للناشئات

ومن بين أسباب غياب أرشيف خاص بالرياضة النسائية، يفيد مدرب نهضة مراكش للرجبي، الوافي المختاري، “لا تتوفر لدينا الإمكانيات المادية واللوجستيك اللازم لتوثيق مقابلات السيدات”. ويضيف، أن “الهواية تصعب من عملية التأريخ لحقبة رياضية معينة، خاصة وأن الأندية تصارع من أجل شراء الملابس الرياضية وتوفير فضاء لممارسة رياضة الرجبي”. 

بعد مرور ثلاثين أو أربعين سنة، وبسبب غياب أرشيف وتوثيق دقيق، لن يتذكر أحد لاعباتنا اللواتي حملن على ظهرهن رياضات في مهدها. ولن يتذكر أحد الفرق التي لعبت في أول دوري لكرة القدم للسيدات في مصر، أو أفضل مسجلة رميات ثلاثية في كرة السلة الجزائرية. وكما يقول محمود درويش: ” بدون الذاكرة لا توجد علاقة حقيقية مع المكان”. 

Twitter
Email
Facebook
LinkedIn
Pinterest