خبر مبهج، ومشروع غيّر خارطة ممارسة كرة القدم النسائية في الأردن، ولفت انتباه اتحادات أخرى بدول منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى هذه الفئة، التي كانت إلى وقت قريب تجد صعوبة في التعبير عن ذاتها رياضيا. في تلك الفترة، كانت للأمير علي بن الحسين مواقف تدل على ضرورة الاعتناء باللاعبات الهاويات الأردنيات آنئذ، وخلق فضاءات ومسابقات تنافسية تسمح لهن بإبراز مواهبهن وقدراتهن الكروية.
ومع مطلع الألفية الجديدة، شجع الأمير علي الذي يرأس الاتحاد الأردني لكرة القدم، على إدراج كرة القدم النسائية في خانة الأنشطة المدرسية والرياضية التي تمارسها الفتيات على أرض الملاعب الرياضية داخل المدارس. دعم وتشجيع، أحييا آمال المئات من اللاعبات اللواتي كانت أحلامهن الكروية تتلاشى.
أولى الخطوات لترسيخ ممارسة كرة القدم في صفوف المجتمع والفتيات خصوصا، كانت الانطلاق من القاعدة، وتشكيل نواة صلبة من مختلف الفئات العمرية التي ستكوّن قوام المنتخب في وقت لاحق. أنشئت أواخر سنة 2004، فرق اللاعبات الشابات وفرق للناشئات تحت 17 و14 سنة، منهن من لعبت في فرق الصفوة في الدوري الأردني للسيدات، ومنهن من حملت قميص المنتخب الوطني للسيدات الذي تشكل سنة 2005، للمنافسة في التظاهرات الإقليمية والقارية والعالمية.
بدورها، كانت سنة 2005 سنة حاسمة في رسم معالم المنتخب الأردني للسيدات، المراد به تقديم صورة مغايرة عن النساء الأردنيات. وخاضت اللاعبات النشميات أول مقابلة رسمية لهن بقميص المنتخب الوطني الأردني في ذلك العام، والتي كانت ضد المنتخب البحريني للسيدات. في ذلك اللقاء، أثبتت اللاعبات الأردنيات المشاركات إمكانياتهن أمام الخصم وفزن بحصة عريضة، بلغت ستة أهداف مقابل هدف واحد.
إن قوة كرة القدم النسائية الأردنية ظهرت مع أول لقاء رسمي. كانت اللاعبات في أمس الحاجة لبطولة تروي ظمأهن وتقفل الأفواه وتعلي من شأنهن الكروي على الساحة الإقليمية على الأقل. لم ينتظرن طويلا، وفي عام ولادة المنتخب وبينما مازال جنينا يبحث عن موطئ قدم على خارطة كرة القدم العالمية، حققت النشميات الفوز لبلادهن بعد أن هزمن كل الفرق التي صادفنها ومن بينها المنتخب الإيراني في النهائي، ليرفعن بذلك كأس بطولة اتحاد غرب آسيا للسيدات.
ضربت اللاعبات بيد من حديد على كل من يشكك في أهليتهن الرياضية، وفي مهاراتهن الكروية. تمكن بعدها المنتخب من الفوز بنفس البطولة سنتي 2007 و2014، إلا أنه لم يقدر على إثبات جدارته على المستوى الآسيوي ولاسيما في كأس آسيا للسيدات، وتصفيات الألعاب الأولمبية، ودورة الألعاب الآسيوية. لم تتمكن النشميات طيلة هذه السنوات من مقارعة المنتخبات الكبرى في كرة القدم للسيدات، كاليابان وكوريا الجنوبية، والصين.
سنة 2006، فشل منتخب السيدات الأردني لكرة القدم، في تجاوز دور المجموعات بدورة الألعاب الآسيوية التي أقيمت بالعاصمة القطرية الدوحة. تلقى المنتخب هزائم قاسية من منتخبات الصفوة على مستوى القارة، ولاسيما تلك التي لحقته من طرف المنتخب الياباني للسيدات بحصة ثقيلة من الأهداف وصل عددها إلى ثلاثة عشر هدفا، من دون أن تهز سيدات الأردن شباك حارسة مرمى الساموراي بأي هدف.
بعد سنوات من التخبط قاريا، وانسحاب من استحقاق كروي مهم، وهو تصفيات أولمبياد 2008 ببكين، وتوديع منتخب السيدات الأردني للتصفيات المؤهلة لكأس أمم آسيا سنة 2009، عادت اللاعبات الأردنيات مجددا لمنصات التتويج وزينت الميداليات أعناقهن. تم ذلك حينما ظفرن ببطولة كأس العرب للسيدات في أكتوبر من عام 2010، بعد أن انتصرن على سيدات المنتخب المصري في نهائي البطولة التي احتضنتها دولة البحرين.
خلال هذه المدة الزمنية ما بين 2005 و2010، ارتفع عدد اللاعبات الملتحقات بصفوف فرق الدوري المحلي، كما زاد عدد اللاعبات الناشئات خلال الفترة نفسها. إلا أن الأهم لم يكن في ذلك، بقدر ما كان في بداية تقبل المجتمع لمشهد وجود لاعبات على المستطيل الأخضر يتقاذفن الكرة ويراوغن ويسجلن الأهداف. قبل سنوات قليلة فقط، كانت من المستحيل رؤية هذا المشهد على الملاعب الكروية الأردنية.
اليوم تمر حوالي 21 سنة على هذه التجربة المتفردة في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وقد بلغ عدد اللاعبات الممارسات في الأردن حوالي 1000 لاعبة بمختلف الفئات، يدافعن عن شعار ما يناهز 10 فرق تنافس ولاسيما في دوري الدرجة الأولى المحلي، الذي يضم عددا من اللاعبات اللاتي صرن معروفات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويروجن لأنفسهن وللكرة النسائية الأردنية عموما.
يعود سبب هذه الطفرة الكروية النسائية التي شهدها الأردن على مدار أكثر من 15 عاما، إلى مشاركة المنتخب الأردني في التصفيات المؤهلة لأولمبياد لندن سنة 2012، من بوابة مسابقة الاتحاد الآسيوي الأولمبية. تمكنت اللاعبات النشميات من تجاوز الدور الأول للتصفيات بهذه المسابقة، إلا أنهن لم يقدرن على تجاوز الدور الموالي المؤهل إلى دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت بعاصمة الضباب.
علاوة على ذلك، استضاف الأردن في سبتمبر من سنة 2016 بطولة كأس العالم للناشئات تحت 17 عاما، والتي تعتبر أول بطولة من هذا الحجم تنظم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. الشيء الذي أعطى زخما من نوع آخر لكرة القدم النسائية بالداخل الأردني بكل مكوناته، وإلى الخارج ولاسيما بعد نجاح التظاهرة الرياضية التي اختارت اللجنة التنفيذية للفيفا، الأردن لاستضافة منافساتها سنة 2013.
لم يتمكن المنتخب الأردني تحت 17 سنة، من الذهاب بعيدا في هذه المسابقة، واحتل المركز الأخير في المجموعة الأولى من دون تحقيق أي نقطة. ليخرج سريعا من البطولة التي تحتضنها أرضه. قوة المنافسين الذين لهم باع طويل في كرة القدم النسائية لم تترك فرصة للناشئات النشميات، إلا أنهن تمكن من كسب الخبرة بعد الاحتكاك مع فرق أخرى كمنتخب إسبانيا الذي احتل المرتبة الثالثة في البطولة، ومنتخب اليابان الوصيف، وحامل لقب البطولة، كوريا الشمالية.
طرح الأردن، بجرأة، منذ البداية نهجه في إدماج المرأة كرويا على الرأي العام الأردني. كانت البداية صعبة، إلا أنها كذلك حملت إنجازات محترمة لمنتخب مازال في المرحلة الجنينية، ويتلمس خطاه صوب الاستحقاقات الكبيرة. لكن اليوم اشتد عوده وأصبح يمتلك إمكانات بشرية تسمح له بالتفكير بجدية، للعب في دورة الألعاب الأولمبية سنة 2024، على أرضية ملعب باريس الأولمبي.